هل تعتبر اللّزمات العصبية (أو العرّات) لا إرادية ؟
هل تعتبر اللّزمات العصبية (أو العرّات) لا إرادية ؟
اللّزمات العصبية هي حركات أو أصوات متكررة و فجائية، مثل رفرفة الجفنين، أو تحريك الكتف / العنق، أوالنحنحة، أو الاستنشاق أو غيرها من الحركات و/أو الأصوات
كثيراً ما توصف اللّزمات بأنها لا إرادية،
فهل يعتبر هذا وصفاً دقيقاً ؟
هناك جانبين مهمين للّزمات العصبية :
1️⃣
غالباً ما تسبقها أحاسيس أولية ملحّة و نزعة شديدة سريعة جداً في نشأتها
في بعض الأحيان نشبّهها من باب التبسيط بالحكّة الشّديدة أو الشعور بالحاجة للعطس
تعرف بالدوافع (أو النزعات) الاستباقية
Premonitory Urges
هذه الدوافع الاستباقية لا إرادية على الإطلاق وتصل لقمة قدرتها الدافعية بسرعة عالية وقوة شديدة وإلحاح عظيمتحمل الشخص بشكل لحظي وبشكل انفعالي للاستجابة، وهي تشبه لحدٍ ما الذي يحدث عند وجود الدافع المفاجئ الشديد غير الممكن مقاومته للحكة أو العطس
2️⃣
و من ثم َّ، واستجابةً لهذه الاحاسيس الأولية الملحّة، يقوم الطفل باصدار حركات أو أصوات، غالباً بشكل متكرر،وهدف الاستجابة هو أن يُخْمِد و لو بشكل مؤقت تلك الرغبة الملحة. إلا أن الاستجابة انفعالية بالدرجة الأولىوتسبق التفكير وأحياناً تسبق الانتباه وحتى الوعي.
النقطة الهامة التي أحببت أن أركّز عليها هي أن الحركات أو الأصوات نفسها، وهي انقباضات عضلية، لا تعتبرإرادية بالمعنى الدقيق، بحيث أن الطفل بإمكانه التحكم بها، ولو كان هذا أحياناً بصعوبة بالغة نتيجة للنّزعةالاستباقية العارمة. أي أن الطفل قد يستطيع مقاومة الدوافع الاستباقية أو محاولة مقاومتها، وهذا يتطلب تجييشجهد عظيم من الانتباه والوعي وجهد عظيم آخر مسخر للتحكم بالدوافع لمنعها من إحداث الحركات. لنتخيل مثلاًشخصاً لديه حساسية شديدة جداً ويشعر برغبة حكّ عارمة ومفاجئة ويريد أن يقاوم القيام بالهرش وتأتي هذهالرغبة العارمة كل بضع دقائق، فكم من الجهد والتركيز والطاقة الوجدانية سيتم بذله في سبيل ذلك؟ وإن قام ذلكالشخص بالهرش فهل يصح أن نزعم بأن سلوكه تم عن قصد مسبق؟ وهذا المثال في حقيقة الأمر لا يعبر بشكلكامل بل ويبسط ما يمر به نسبة كبيرة من الأطفال الذين يعانون من اللّزمات العصبية
ولكن الأهم للقارئ إدراكه بأن الدوافع الاستباقية هي التي تمثل الجانب غير الإرادي من اضطراب اللّزمات العصبية
بمعنى آخر ، فإن الطفل لا يستطيع التحكم في وجود و شدّة الدوافع الملحّة التي تنهال عليه
فبينما قد يتمكن بعض الأطفال من التحكم في اللّزمات و لو لبعض الوقت
مثلاً، خلال الصف الدراسي أو تحت طلب الأهالي منهم أن يتوقفوا، فإن هذا لا يعني أنهم يقومون بها بشكلمقصود. بل إن مجرد وجود التوقعات من الأهل والمجتمع بأن عليهم منع حدوث اللّزمات هو بحد ذاته مصدر كبيرللضغط النفسي الشديد والذي يؤثر على جوانب أخرى من حياة الطفل وهو من العوامل الرئيسية التي تساهم في المعاناة الناتجة عن هذا الاضطراب
فتحت السلوك الذي الذي تراه عزيزي الأب و ترينه عزيزتي الأم ، تقبع معاناة كبيرة يحاول فيها الطفل إخماد هذهالنزعات الملحّة و المتكررة ، مما قد يكون له أثرٌ نفسي، واجتماعي، ودراسيّ على الطفل
فكيف للطفل على سبيل المثال أن يركز مع المدرس إذا كان منشغلًا بمحاولة دفع هذه المشاعر والسيطرة علىاللّزمات ؟
في الحالات الشديدة قد يواجه الطفل صعوبة شديدة في قمع اللّزمات العصبية حتى لمدة ثواني فتبدو أنها لا إرادية بشكل كامل
يجدر بالذكر هنا بأن خط العلاج الأول، في الحالات التي تستدعي العلاج، هو العلاج السلوكي المتكامل والذيينبني على إدراك الطفل للإشارات الأولية التي تسبق اللّزمات، ومن ثم تدريب الطفل على طرق في التعامل معها وتحويرها كي يقل أثرها على الطفل
ختاما، ما أسلفنا ذكره ينطبق أكثر على الحالات المتوسطة من هذا الاضطراب، بينما كثير من الأطفال الذينلديهم عرات أعراضهم بسيطة وربما لا يشعرون بالانزعاج من أعراضهم ولا يحتاجون للتدخل العلاجي.
في المقابل، توجد حالات شديدة ذات أثر كبير على حياة الطفل قد تكون بحاجة لتدخلات دوائية.
باختصار ، رغم أن اللّزمات متمثلة في الحركات و الأصوات الفجائية و المتكررّة، في نفسها إرادية ،
فان الجزء الأكبر من الاضطراب يختفي تحت السطح متمثلاً في الدوافع الاستباقية الملحّة، والتي ليس باستطاعةالطفل أن يتحكم فيها
شكراً لكم على القراءة
و شكراً مرة أخرى لزميلي د. ياسر الدبّاغ على تكرّمه بابداء ملاحظاته القيّمة على هذا المحتوى
مدونة الدكتور ياسر:
www.doctoraddabbagh.ca
ما رأيكم ؟ أتطلع لقراءة ردودكم و آرائكم من خلال القسم المخصص أدناه
شكرا جزيلًا
د. عمار حميد البنا
٢٩/١١/٢٠٢٠